فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَفاءَ} جعله فيئا أي غنيمة.
{أَوْجَفْتُمْ} أسرعتم، وفي المصباح: وجف الفرس والبعير وجيفا عدا وأوجفته بالألف أعديته وهو العنق في السير.
{رِكابٍ} الركاب: الإبل واحدتها راحلة وتجمع على ركب وركائب وركابات وركاب السحاب الرياح والركاب أيضا ما يعلق في السرج فيجعل الراكب رجله فيه وقال الفرّاء: العرب لا يطلقون لفظ الراكب إلا على راكب البعير ويسمّون راكب الفرس فارسا.
{دُولَةً} بضم الدال وقرئ بفتحها لغتان ما يدول للإنسان أي يدور من الجد يقال دالت له الدولة وأديل لفلان.

.الإعراب:

{ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ} {ما} اسم شرط جازم في محل نصب مفعول به مقدّم لقطعتم و{قطعتم} فعل وفاعل في محل جزم فعل الشرط و{من لينة} حال واو حرف عطف و{تركتموها} عطف على {قطعتم} و{قائمة} مفعول ثان لترك و{على أصولها} متعلقان بقائمة والفاء رابطة لجواب الشرط وبإذن جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي فقطعها بإذن اللّه والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط.
{وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ} الواو عاطفة والمعطوف عليه محذوف تقديره أذن في قطعها ليسرّ المؤمنين ويغرّهم ويخزي المنافقين و{الفاسقين} ويذلّهم واللام لام التعليل ويخزي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بالمحذوف المقدّر و{الفاسقين} مفعول يخزي.
{وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ} كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان حال ما أخذ من أموالهم و{ما} اسم موصول في محل رفع مبتدأ وجملة {أفاء} صلة و{اللّه} فاعل و{على رسوله} متعلقان بأفاء و{منهم} حال والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط و{ما} نافية و{أوجفتم} فعل وفاعل و{عليه} متعلقان بأوجفتم و{من} حرف جر زائد و{خيل} مجرور بمن لفظا منصوب محلا على أنه مفعول {أوجفتم} {ولا ركاب} عطف على {خيل}.
{وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ} الواو حالية و{لكن} حرف استدراك ونصب و{اللّه} اسمها وجملة {يسلط} خبرها و{رسله} مفعول به ليسلط و{على من يشاء} متعلقان بيسلط وجملة {يشاء} صلة {من}.
{وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {اللّه} مبتدأ و{على كل شيء} متعلقان بقدير و{قدير} خبر {اللّه}.
{ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} كلام مستأنف مسوق لبيان مصارف الفيء، وسيأتي سر الفصل فيه، و{ما} اسم موصول مبتدأ وجملة {أفاء} صلة و{اللّه} فاعل و{على رسوله} متعلقان بأفاء و{من أهل القرى} حال، قال مقاتل: يعني قريظة والنضير وخيبر، والفاء رابطة لما يتضمنه الموصول من معنى الشرط وللّه خبر ما {وللرسول} وما بعده عطف على قوله: {للّه}.
{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ} {كي} حرف تعليل وجر بمعنى اللام و{لا} نافية و{يكون} فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد كي واسم يكون مستتر يعود على الفيء و{دولة} خبرها و{بين الأغنياء} ظرف متعلق بمحذوف صفة لدولة أي يتداولونه بينهم و{منكم} حال.
{وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الواو عاطفة و{ما} اسم موصول في محل نصب مفعول به لفعل محذوف دلّ عليه خذوه، ويجوز أن تعرب جملة {فخذوه} خبر، وجملة {آتاكم} صلة والكاف مفعول به و{الرسول} فاعل والفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وخذوه فعل أمر وفاعل ومفعول به، {وما نهاكم عنه فانتهوا} عطف على ما تقدم.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ} {واتقوا اللّه} فعل أمر وفاعل ومفعول وإن واسمها وخبرها.

.البلاغة:

في قوله: {ما أفاء اللّه على رسوله} الآية. الفصل وهو ترك عطف جملة على أخرى، وضدّه الوصل وهو عطف بعض الجمل على بعض وهذا الباب أغمض أبواب المعاني حتى قيل لبعضهم: ما البلاغة؟
فقال: معرفة الفصل والوصل قال:
الفصل ترك عطف جملة أتت ** من بعد أخرى عكس وصل قد ثبت

ولكلّ منهما مواضع نلخصها فيما يلي:
مواضع الفصل: يجب الفصل في خمسة مواضع:
1- أن يكون بين الجملتين اتحاد تام بأن تكون الثانية بدلا من الأولى كالآية التي نحن بصددها، أو بيانا لها نحو {فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد} أو مؤكدة لها نحو {فمهل الكافرين أمهلهم رويدا} ويقال في هذا الموضع إن بين الجملتين كمال الاتصال.
2- أن يكون بين الجملتين تباين تام بأن تختلفا خبرا وإنشاء كقوله:
لا تسأل المرء عن خلائقه ** في وجهه شاهد يغني عن الخبر

وقول الآخر:
وقال رائدهم أرسوا نزاولها ** فحتف كل امرئ يجري بمقدار

فلم يعطف نزاولها على أرسوا لأنه خبر لفظا ومعنى، وأرسوا إنشاء لفظا ومعنى، والرائد هو الذي يتقدم القوم لطلب الماء والكلأ للنزول عليه، وقوله أرسوا أي أقيموا بهذا الكلأ الملائم للحرب وهو مأخوذ من أرسيت السفينة أي حبستها بالمرساة، وقوله نزاولها أي نحاول أمر الحرب ونعالجها، وقوله فحتف إلخ تعليل لمحذوف يفيده ما قبله أي ولا يمنعكم من محاولة إقامة الحرب بمباشرة أعمالها خوف من الحتف وهو الموت فكل إلخ... هذا وقد اختلف في إعراب جملة نزاولها فقيل لا محل لها لأنها تعليل لما قبلها فهي جواب عن سؤال مقدّر فليس الفصل لكمال الانقطاع بل لشبه كمال الاتصال وقيل حال أي أقيموا في حال مزاولة الحرب فلذلك ليس الفصل لكمال الانقطاع بل لأن الحال لا يعطف على الجملة المقيدة به أو بأن لا يكون بينهما مناسبة في المعنى كقولك عليّ كاتب، الحمام طائر، ويقال في هذا الموضع إن بين الجملتين كمال الانقطاع.
3- كون الجملة الثانية جوابا عن سؤال نشأ من الجملة الأولى كقوله تعالى: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء} ويقال إن بين الجملتين شبه كمال الاتصال.
4- أنه تسبق جملة بجملتين يصحّ عطفها على إحداهما لوجود المناسبة وفي عطفها على الأخرى فساد فيترك العطف دفعا للوهم كقوله:
وتظنّ سلمى أنني أبغي بها ** بدلا أراها في الضلال تهيم

فجملة أراها يصحّ عطفها على تظن لكن يمنع من هذا توهم العطف على جملة أبغي بها فتكون الجملة الثالثة من مظنونات سلمى مع أنه ليس مرادا ويقال إن بين الجملتين شبه كمال الانقطاع.
5- أن لا يقصد تشريك الجملتين في الحكم لقيام مانع كقوله تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون اللّه يستهزئ بهم} فجملة {اللّه يستهزئ بهم} لا يصحّ عطفها على {إنّا معكم} لاقتضائه أنه من مقولهم ولا على جملة {قالوا} لاقتضائه أن استهزاء اللّه بهم مقيد بحال خلوّهم إلى شياطينهم ويقال إن بين الجملتين في هذا الموضع توسطا بين الكمالين.
مواضع الوصل: ويجب الوصل في المواضع التالية:
1- إذا اتفقت الجملتان خبرا أو إنشاء وكان بينهما جهة جامعة أي مناسبة تامة ولم يكن ثمة مانع من العطف كقوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجّار لفي جحيم} والجامع بينهما التضاد ونحو {كلوا واشربوا ولا تسرفوا} والجامع بينهما التضاد أيضا وهو وهي وذلك لأن الوهم ينزل التضاد عنده منزلة التضايف عند العقل فكما أن العقل لا يحضره أحد المتضايفين إلا ويحضره الآخر فكذا الوهم لا يحضره أحد المتضادّين إلا ويحضره الآخر.
2- إذا أوهم ترك العطف خلاف المقصود كما إذا قيل لك: هل برئ علي من المرض؟ وقلت: لا وأردت أن تدعو للسائل فلابد من الوصل فتقول لا ورعاك اللّه إذ لو فصلت لتوهم أنه دعاء على المخاطب بعدم الرعاية ولولا هذا الإيهام لوجب الفصل لاختلافهما خبرا وإنشاء.
3- أن يكون للأولى محل من الإعراب كأن تكون خبرا ويقصد تشريك الثانية لها في حكم ذلك الإعراب نحو: زيد قام أبوه وقعد أخوه.
هذا والجوامع ثلاثة: عقلي ووهمي وخيالي، ومعنى كونه عقليا أنه يصل بين الجملتين ويجمعهما عند القوة المفكرة بسبب العقل كالتماثل، فإن العقل إذا توجه إلى المثلين في الحقيقة وجردهما من العوارض ارتفع التعدد وصارا شيئا واحدا في تلك الحقيقة فيجتمعان في العطف ولكن المراد بالتماثل هنا أن يكون لهما حقيقة مخصوصة بوصف زائد، ومعنى كونه وهميا أن يحتال الوهم في جمعهما عند المفكرة كالتقارب للشبه الذي بين البياض والصفرة فإن الوهم يتوصل به إلى جمعهما وإن كان ذلك التشابه عقليا لأنه يأخذه من العقل ويجمع به ولولا الوهم ما صحّ الجمع لأن العقل ينفي الجمع لإدراك التباين معه والوهم يجعله كالتماثل، ومعنى كونه خياليا أن يحتال الخيال في الجمع عند المفكرة وهو التقارن بين المتعاطفين في المفكرة وإن كان التقارن عقليا لكن الوهم يأخذه منه فيجمع به ولما كان الجامع الخيالي هو هذا التقارن اختلف باختلاف الناس فربّ إنسان يتقارن عنده صور ولا تصحّ في خلد آخر أصلا.

.الفوائد:

روى التاريخ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لما نزل باليهود من بني النضير وقد تحصّنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزع أعداء اللّه عند ذلك وقالوا: يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح، أمن الصلاح قطع الشجر وقطع النخيل وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض؟ فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم شيئا وخشوا أن يكون ذلك فسادا واختلفوا في ذلك فقال بعضهم لا تقطعوا فإنه مما أفاء اللّه علينا، وقال بعضهم بل نغيظهم بقطعه فأنزل اللّه {ما قطعتم من لينة} الآية.

.[سورة الحشر: الآيات 8- 10]

{للفقراء الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}

.اللغة:

{خَصاصَةٌ} حاجة وخلّة وأصلها خصاص البيت أي فروجه.
{يُؤْثِرُونَ} الإيثار: تقديم الغير على النفس يقال آثرته بكذا أي خصصته به وفضّلته.
{شُحَّ} الشح الحرص على المال، والفرق بينه وبين البخل أن الشحّ غريزة والبخل المنع نفسه فهو أعمّ لأنه قد يوجد البخل ولا شحّ له ولا ينعكس وفي الصحاح: والشحّ البخل مع حرص.

.الإعراب:

{للفقراء الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ} اختلفت أقوال المعربين في تعليق الجار والمجرور فمن جنح إلى مذهب أبي حنيفة جعله بدلا من قوله: {لذي القربى} والمعطوف عليه ومقتضاه اشتراط الفقر فيه وعلى هذا الإعراب نهج الزمخشري وأبو البقاء، ومن جنح إلى مذهب الشافعي علّقه بمحذوف تقديره أعجبوا ومقتضاه عدم اشتراط الفقر وإن الاستحقاق يكون بالقرابة وعلى هذا نهج السيوطي وغيره وعبارة أبي حيان: وإنما جعله الزمخشري بدلا من قوله: {ولذي القربى} لأنه مذهب أبي حنيفة والمعنى أنه يستحق ذو القربى الفقير فالفقر شرط على مذهب أبي حنيفة ففسّره الزمخشري على مذهبه وأما الشافعي فيرى أن سبب الاستحقاق هو القرابة فيأخذ ذو القربى الغني لقرابته. والسر في التعجب أن السياق يدلّ عليه والمعنى أعجبوا لهؤلاء المهاجرين حيث تركوا أوطانهم وأموالهم وتكبدوا شظف العيش ومرارة الغربة في حبّ النبي والإسلام.